Sunday, January 08, 2012

رفعت العلم يا عبد الحكم

في شارع محمد محمود, هناك حيث تدور معارك ضارية بين الشباب الثائر و ما يسمى بقوات الأمن حيث تستخدم القوى المفرطة و يقابل الحجر الصغير عشرات من قنابل الغاز و مئات من طلقات الخرطوش و الطلقات الحية , هناك حيث يحدث الكر و الفر

يطلق الأوغاد كل ما يملكون من قنابل الغاز, و يملئ المكان الجميل الراقي في وسط القاهرة, غاز يخنق الصدور خنقا! نفر من تأثير السئ (مع العلم اننا اعتدنا عليه في الأيام الخوالي) ثم يقل تأثير الغاز و تدب فينا الشجاعة من جديد و نتجمع و نستمر في المسير ناحية الطغاة! 



المشهد الذي يظل عالقا في ذهني هو مشهد الغاز الكئيب الذي ينقشع في كل مرة عن رجل يقف على خط النار لا يتزحزح! وقف على حجر كبير حيث نراه جميع من بعيد! يقف بذراعين متعامدين على جسده و كأنه صليب! زين أطراف اصابع بفارغ طلقات الخرطوش و زين ظهره بعلم مصر, يرفرف رغم كل الدخان!!


المشهد بدى أسطوريا! الرجل لايتحرك مع كل الكر و الفر! واقف لا تتغير هيئته, يعطينا شجاعة منقطعة النظير للعودة مرة أخرى في كر جديد على من يسمون أنفسهم قوات الأمن!


ظل العلم يرفرف خفاقا برغم كل شئ في اشارة الى روح الانتصار رغم كل شئ!


أتعجب من كل تلك القيم و المعاني التي تختزلها قطعة قماش بسيطة! أتذكر ذلك النداء الخالد "رفعت العلم ... يا عبد الحكم". 

محمد عبدالحكم الجراحي و الشهير بعبد الحكم الذي رفع العلم, كان "بلطجي" خارجا عن القانون! أو هكذا أدعوا على الشاب الوسيم القادم من عائلة الأغنياء, سافر الى فرنسا لاستكمال تعليمه الجامعي كما يفعل معظم الموثرين في الثلاثينات! كان ذهابه الى فرنسا في هذه الأوقات عاملا اساسيا في استيعاب فكرة الدفاع عن حرية الوطن و اقامة بلاد تحتضن ابنائها على أسس العدل و المساواة! يرجع عبد الحكم و ينخرط مع الشباب الواعي بقضايا الوطن, الغاضب من الغاء دستور 23 المسمى بدستور الشعب!  ينزل في احدى المظاهرات حاملا علم مصر (أغلى الاعلام) تنتشله رصاصة غادرة من حياتنا الفانية ليصبح رمزا لأبناء جيله و يصبح هتاف (رفعت العلم ... يا عبد الحكم) هو الهتاف الرسمي لكل حركات الشباب السياسية في الثلاثينات و الأربعينات!


لذلك وجدت نفسي أريد أن أشكر كل أولئك الذين رفعوا العلم في في المقدمة و شجعوا من ورائهم لاكمال المسيرة:

أشكر عبد الحكم
أشكر محمد العباسي, أول من رفع العلم المصري على الضفة الأخرى من القناة في السادس من أكتوبر
أشكر كرم جابر, عندما فاز في أوليمبياد أثينا بميديلية ذهبية , ليرتفع علم مصر و نشيدها القومي
أشكر كل من فاز بنوبل
أشكر من يقفون في طابور المدرسة و صف الجيش يحيون العلم كقيمة و رمز
أشكر كل من رفع العلم و هو يرى انه يحب مصر بلاده أكثر من أي شئ أخر

للمزيد عن محمد عبد الحكم الجراحي

Monday, October 04, 2010

سلام سلاح



اذا سألتك من هم اكثر المصريين الذين تفتخر بهم الآن؟
ستكون اجابتك هي أحمد زويل, نجيب محفوظ, محمد البرادعي او حتى ابو تريكة.


الأول ليس لنا فضل فيما وصل اليه و لا نستفيد بعلمه.
الثاني: هل قرأت له اصلا.
الثالث:انت تعرف لماذا هو محجوب عن قائمة العظماء في مصر الآن.
الرابع: استغرب انك وضعته في المرتبة الرابعة في بلد لا تضع على القمة الا لاعبي الكرة و "الفنانين" الفايبريشن.

انت مثلي تشعر بغصة كئيبة, من الذين استطاعوا بكفاءة  ان يغتصبوا منا ماضي و حاضر و مستقبل هذا الوطن. في السطور القادمة ادعوك ان ترافقني الى لقاء بعض المكافحين ممن تستطيع ان تسميهم ابطال.


ابطالنا اليوم استطاعوا خلق معجزة على ارض الواقع في زمن انتهت فيه المعجزات. اتحدث عن ابطال ملحمة اكتوبر اولئك الذين اقتحموا امنع الحصون و وجعلوا الجيش الذي لا يقهر مجرد اضحوكة وهزوا الأرض من تحت اقدامهم.


ابراهيم الرفاعي: اسس المجموعة ( 39 قتال ) وسبب تسميتها بهذا الاسم يعود الى عدد العمليات التى قامت بها المجموعة قبل تشكيلها الرسمى .والبطل ( ابراهيم الرفاعى ) اكد لرجاله على ان ( الفرد لايموت دون ان يأخذ ثمن روحه من العدو على الاقل بعشرة ارواح .. فالقتال يجب ان يكون ببطولة والموت ايضا يجب ان يكون ببطولة) .. هكذا يربي البطل ابطالا

 عبد العاطي (صائد الدبابات): او الفلاح محمد عبد العاطي عطية شرف، مصري وهو أشهر الذين حصلوا علي نجمة سيناء من الطبقة الثانية والذي أطلق عليه صائد الدبابات لانه دمر خلال ايام حرب أكتوبر 23 دبابة بمفرده.


احمد مأمون: بطل مصرى  برتبة رائد مهندس وتوصل الي مادة تتجمد في ماء القناة واعطاها سرا الي قائد القوات البحرية المصرية لكي يعطلوا فتحات النابلم الاسرائيلية في القناة قبل تنفيذ عملية الأقتحام

باقي ذكي يوسف:  مدعين بانه لايمكن ازالة هذا الساتر الا بالقنابل الذرية قامت اسرائيل ببناء الجدار الاسطورة الذي راح ادراج الرياح عن طريق البط باقي ذكي يوسف الذي ابتكر حلا عبقريا باستخدام مياه القناة فى تجريف رمال الساتر الترابى لفتح الثغرات بواسطة مضخات


 أحمد حمدي: عندما تعبر قناة السويس المرة القادمة عبر نفق أحمد حمدي في وقت السلم  تذكر اسم صاحب هذا النفق الذي كان مسئولا عن مد كباري المشاة يوم الحرب

حسين عبد الرازق: هو اول من وصل الى الساتر الترابى .. وايضا اول من دخل مدينة القنطرة شرق اثناء معارك اكتوبر. تحرك قبل الجميع فى الساعة الواحدة و ( 55 ) دقيقة من ظهر يوم السبت السادس من اكتوبر اقتحم البطل مع كتيبته قناة السويس ووصل الى الساتر الترابى الموجود بموازة الشاطىء الشرقى لقناة السويس .

محمد حسين مسعد: اول من استشهد في الحرب


محمد العباسي: اول من رفع العلم على الضفة الأخرى من القناة


من ذكرتهم في الأعلى هم المشهورين من الأبطال, لكن لا ننسى ان كل قرية و مدينة و شارع لها بطل في هذه الملحمة و هناك من استشهدوا و هناك من فقدوا. هناك من رجعوا الى بيوتهم بعد ان سقوا ارضهم بدمائهم ليحكوا لأبنائهم عن يوم من ايام العزة. هناك من لم يرتاحوا قبل ان يزفوا الى السماء و ينقلبوا الى ربهم مسرورين, مجبوري الخاطر.

تسألني الآن: لماذا تذكرني بكل هؤلاء؟ اجيبك ان هكذا ابطال لم يضحوا بالغالي و النفيس بمنتهى السهولة لكي تفرط في البلد لناس من عينة احمد عز و جمال مبارك و زبانيتهم. اناس بهذه الروح يعطوك سببا كي لا تفقد الأمل في ان تكون شيئا يوم ما.

من فضلك شاركني يوم السادس من اكتوبر كل عام الساعة الثانية بعد الظهر في الوقوف دقيقة احترام على ارواح ابطال يستحقون تقديرك.

سلااااااااااااااااام سلاااااااااااااااااااااااح

Saturday, August 07, 2010

اوتوبيس 45

نصف ساعة الآن في الشارع و شمس الظهيرة تتلذذ في شوي رأسي. انتظر اوتوبيس 45. ابدا بالشعور بالندم على غباء فكرة ان اعيد تفاصيل يوم متكرر في حياتي قد انتهيت منه لأبدأ يوم متكرر جديد في حياتي. لماذا كل هذا التعسف و اترك سيارتي و افضل ان استقل نفس الأوتوبيس الذي كنت استقله للذهاب الى عملي السابق. لسبب ما شعرت في البدء بالرومانسية لمجرد استرجاع ذكريات قديمة. الآن قيظ الصيف الحارق يشعرني كم كنت حمارا.

اوتوبيس 45 مثل الدنيا تماما. لاتجده ابدا عندما تحتاجه و العكس صحيح.

اخيرا بدأ القدر في تعاطفه معي و ظهر صاحب الطلعة البهية من بعيد. نفس مشاعر الحبيب بلقاء محبوبه. غادرت زملائي في الكفاح المسلح و رفاقي في انتظار المواصلات و بدأت استرجع ذكرياتي في ركوب المواصلات العامة او بمعنى اصح, اقتحامها.

الآن امارس هوايتي في تفرس وجوه الناس لاستنبط ايهم سيغادر مقعده اولا ثم انتظر الفرج. من الجيد ان لم تفقد قدراتك بعد اكثر من سنة لا تستخدم نفس الأوتوبيس. غادر الرجل الذي راهنت عليه سريعا و اخذت مكانه. ما هي الدنيا كده, كرسي الأوتوبيس ده لافف على الناس كلها و مش دايم لحد.

اتصل بصديق لكي اقوم بتأكيد ميعادنا و الذي من اجله اقوم بهذه المغامرة العظيمة متعددة الأبعاد. آسف ان كنت لم أخبرك حتى هذه اللحظة عن سبب كل هذا. لقد قررت ان اتواصل مع اصدقائي القدماء و زملائي سابقا في العمل و رتبنا لقاء لكي نلتقي عصر ذلك اليوم. حسنا, يبدوا من المكالمة ان كل شيء على مايرام و ان الميعاد سوف يتم كما هو مخطط.

اللعنة على شمس الحر. برغم حبي لمداعبتها لي وقت الشتاء الا اني اكره سماجتها وقت الصيف. ذلك لم يمنعني من استغرق في وجوه الناس من حولي, زملاء اوتوبيس 45. هنا فقط في الأتوبيس تعرف معنى الرحمة و الاحترام و الغضب و انفلات الأعصاب. تلك المشاعر الانسانية الصادقة التي لا تجدها الا في هذه البيئة المتحركة على 4 عجلات مثل الدنيا تماما.

هذا شاب تعب طوال النهار في شمس الصيف الحارقة في تجميع اوراق مختلفة تكتظ تحت ابطه. خمنت انها مرتبطة بخدمته العسكرية. اخير وجد مكان لكي يجلس . لم يمهله القدر كثيرا بعد 20 متر فقط سيتوقف الأوتوبيس و يصعد رجل عجوز. لن يبحث عن مكان لأن ذاك الشاب الذي قتلته الحياة من النعب لم يفكر لثانية في ان اعطاء مكانه للرجل العجوز. بذمتك ... اين تجد الرحمة الا في الاوتوبيس؟؟

هذا شاب آخر يتمتع بقدر من الوسامة و الهندام لم يتردد ايضا في ان يبادل مقعده مع فتاة جميلة صعدت الى الاوتوبيس الآن. راهنت نفسي انها حركة قام بها الشاب حتى يستطيع ان يفتح معها الكلام ويتبادلا ارقام الهواتف بنهاية الرحلة حتى يصبحوا على اتصال و يطمئن عليها. للأسف كسب الشاب الرهان و لم يلتفت الى الفتاة طوال فترة وجوده في الأوتوبيس. يبدو انه لازال هناك بعض الرجال الذين يتمتعون بالنخوة و يخافون على بنات الناس.

صعد الى الأوتوبيس الآن رجل يحمل صندوق أدوات, ذلك المخصص لعمال البناء. كان واضح عليه انه تعب من عمل اليوم. دخل و لم يجد مقعد فارغ ليرتاح عليه من عناء نهار طويل. نظر بشذر الى الأفارقة الذين يحتلون مقعدين في نهاية الأوتوبيس. زفر في غضب وملل و قال, هي المشرحة ناقصة قتلة؟؟

يمر الاوتوبيس على مدينة الموتي كما يحب زميل سابق لي في العمل تسمية تلك المنطقة من القاهرة حيث يخترق الأوتوبيس أحياء السيدة عائشة و الشافعي و البساتين. هي أحياء للأسف وقعت من ذاكرة القائميين على مسؤليات المواطنين في هذا البلد. هذه الأحياء حتى وقت قريب كانت مجرد مكان يرتاح فيه الأموات بعد عناء الحياة عندنا في مصر. الا انهم للأسف الآن اصبحوا يتضايقون من زحام الأحياء لهم. و طبعا لأن الميت قد و جد يقين ربه بعد الموت و يعرف معنى دنيا فانية, فانه يرأف بحال ذلك الذي سموه في يوم من الأيام المواطن محدود الدخل!!!

أخيرا يصل أوتوبيس 45 الى وجهته الأخيرة, المعادي. دائما عندما أتخيل الجنة اتخيل انها ستكون صورة منقحة من المعادي. شوارع جميلة و لون أخضر يشفي روحك من التلوث الذي تعانبه باقية اليوم في باقي القاهرة. حتى الناس هناك شكلهم مختلف, تحسهم حلويين كده و شكلهم يحببك في الحياة و الناس! طبعا احدثك عن المعادي القديمة التي خططها الخواجة زمان بالمسطرة و المنقلة, حتى انك لو شهدتها من الفضاء بفضل برنامج جوجل ايرث و جدت شيئا عجبا!!

نزلت في ميدان الحرية و تمشيت حتى ميدان الفاروق و هو مكان عزيز جدا على قلبي. على ميدان الفاروق يطل جامع الفاروق. هذا الجامع له في قلبي معزة خاصة ايضا حيث سرق حذائي هناك مرتين متتاليتين في شهر تقريبا. وحيث عمارته ذات الطابع الاسلامي المملوكي القديم تسحر عقلي وحيث الصفاء الروحي الذي استمد منه قسطا كبيرا يعين امثالي على الحياة. صليت العصر و جلست استمتع بروح الجامع بعض الوقت. وجدت نفسي اتحسر على تلك الأيام من تاريخ مصر حينما كان الأغنياء يمثلون نحو 1 في المائة من تعداد المصريين, الا انك كنت تسمع كثيرا عن الباشوات الذين يهبو لفعل الخيرات اوقافا من املاكهم المتميزة لمساعدة الفقراء و المحتاجين. تماما كالباشا الذي اوقف قطعة الأرض هذه في قلب المعادي التاريخية وبنى عليها جامع و مستشفى خيري و صيدلية للفقراء. ثم تتنهد حزنا على ما يفعله ال 1 في المائة الآن في باقي المصريين!


الآن دقت الساعة و جاء ميعادي مع اصدقائي.

اراكم لاحقا :)