وصلت متأخرا قليلا على بداية الحفل, الا اني أخذت مقعدي بسرعة حتى أستطيع أن اتابع فيلما رشحه الكثير من الأصدقاء لي كفيلم متميز, طبعا غير الكثير من النقد الجيد من المتخصصين في هذا المجال. الفيلم بصفة عامة يعتبر فيلم من كلاسيكيات السينما المصرية حتى و أن كان لازال عدد أيام عرضة قليلة. أحببت الفيلم من صميم قلبي و ذكرني بأخرى مرة أستمتعت فيها بفيلم في السينما و هو الفيلم الأمريكي فارس الظلام و أرشح الفيلم الحالي "واحد صفر" لأي شخص مثلي يعتبر نفسه من عشاق الفن السابع مثلي.
من فضلك إذا لم تكن قد شاهدت الفيلم أنصحك بعدم إكمال التدوينة حتى لايفوتك الكثير أو أحرق عليك هذا الفيلم الرائع.
·المخرجة الرائعة كاملة أبو ذكري تقدم في هذا الفيلم تقدم تكنيكا جديدا في السينما المصرية لأول مرة و هو الكاميرا المحمولة طوال الوقت حتى داخل الأستديو! مما أعطى الفيلم صورة شديدة الواقعية و كأنها تصوير حي لمشاهد من حياتنا اليومية. أيضا الإضاءة و إختيار الأماكن "اللوكيشن" كان يجعلك تتخيل و كأنك أمام صورة بديع لمايكل أنجلو. أيضا لك أن تتخيل ان تنزل مخرجة و طاقمها ذات الأغلبية النسائية في الشوارع لتصوير مشاهد حية من قلب الحياة المصرية و حتى ليلة المبارة النهائية في كأس الأمم الأفريقية الأخيرة.
·السناريست الشابة "مريم ناعوم" , رغم انه العمل الأول لها الا انها ابدعت الى حد بعيد. لغة الحوار حية و صادقة الى حد بعيد بالإضافة الى الحبكة في أخر الفيلم و التي جمعت كل الشخصيات المتفرقة في مكان واحد و مشاعر واحد.
·الممثلون كانو أكثر من رائعين في آدائهم الصادق لكن كان أكثرهم ابهارا في الأداء على الإطلاق كان حسين الامام و انتصار! أيضا ضابط الشرطة الشاب و الولد بتاع السندويتشات, كلها مواهب مقنعة و لهم مستقبل واعد.
·الفيلم يدور في إطار زمني ضيق, يوم واحد و هو يوم المبارة النهائية في كأس الأمم الأفربقية. مع هذا كانت المشاكل و معالجتها الدرامية في شيء من التفصيل شيء في منتهى التشويق و الاثارة.
·استطاع الفيلم ان يعبر عن الظاهرة الغريبة في حياة المصريين, حيث انه رغم ما يمر به المصريين من كل مشاكل الدنيا الا انهم ينسون الدنيا و يفرحون فرحة هيستيرية بفوز منتخبهم الذي أصبح و بشكل أو بأخر يمثل لهم المنفذ الوحيد, و الأمل المتبقي للسعادة حتى المؤقتة. الممثلون الذين كل منهم يمثل شخصية في مشكلة أو مأزق شديد كلهم بلا إستثناء فرحوا و إندمجوا في فرحة الناس الغامرة!
أخيرا ليس لي أن أصف الكثير لأن الكلمات لا يمكن أن تصف حلاوة الصورة و الأداء الصادق و المتميز لكل المشاركين في هذا العمل الرائد و الرائع. أتمنى لكم مشاهدة ممتعة.
في أثناء كتابة هذه السطور يقطع التليفزيون المصري الرسمي برامجه للانتقال الى اذاعة خارجية من شرم الشيخ "كامب ديفيد مصر و المصريين" لنقل مؤتمر دولي حول اعمار غزة.
يجرني هذا لاجترار ذكريات قريبة بعيدة حول ما حصل في غزة من أكثر من شهرين:
·كان يوم سبت "المفروض أجازة عند اليهود" و كان لي بعض الارتباطات لكي أؤديها. شاهدت شريط الأخبار الذي يتحدث عن عملية عسكري إسرائيلية في قطاع غزة. الى هنا الأمر عادي بالنسبة لاني اعتدت على سماعه بشكل شبه يومي. أظن ان احاسيسي قد تبلدت بشكل ما.
·في أخر النهار عند عودتي من الخارج و متابعتي للاخبار, و جدت عدد القتلة قد ارتفع الى اكثر من ثلاثين شخص و هو ما يفهمك ان ما يحدث في غزة هو أكبر من أن تكون عملية بلطجة يومية من تلك التي عودتنا عليها القوات الاسرائيلية.
·بعد مرور عدة أيام و استمرار الضرب الاسرائيلي الشرس للضحايا العزل و التغطية الاخبارية المستمرة من قناة الجزيرة و الحديث شبه اليومي في برامج التاك الشو المسائية عن الوضع في غزة, اصبح متعارف على ما يسمى بعداد الشهداء و هو الخبر الأول الذي يستهل به شريط الأخبار في أسفل شاشة التلفاز حول عدد الشهداء الفلسطينين حتى اللحظة.
·في أول صلاة جمعة, لم يكن الخطيب ليختار موضوع آخر عن موضوع الساعة, حصار و ضرب غزة. طبعا كان ذكر الجهاد و فعل أقل الايمان تجاه أخوتنا في غزة و هو الدعاء و دعمهم المعنوي و المادي و كلام تقليدي في مثل هكذا ظروف. الكلام الغير تقليدي في هذا الموضوع هو عندما قال الشيخ بصورة لا مجال فيها للشك, اننا وصلنا لهذا الضعف و الهوان لاننا قادتنا المسئولين عنا لم يهتموا بنا و بما يهمنا انما اهتموا بما يكسبوه أو يريدوا أن يورثوه للأبناء, و لو اننا أختارناهم "ديموقراطيا" لما كان هذا حالنا. هنا لم أصدق أذني ما أسمع. الشيخ يقول هذا اللفظ الغير عربي الأصل على المنبر في خطبة صلاة الجمعة!! لم أتمكن أن امنع نفسي من الانبهار بما قاله الرجل و من الاشارة الخفية في طيات خطبته الغراء.
·بدأت الضرب في غزة يأخذ شكل آخر. هناك مأساة حقيقة من قتلة و مصابيين لا يجدون العلاج على الارض, و صراع سياسي تتجاذبه أطراف داخل و خارج فلسطين. الفتحاويون يقولون أن الحمساوييون هم من كبدو أهل غزة هذا العناء لانهم انسحبوا من الهدنة و يرد الحمساوييون انهم ليسوا خونة و أنهم سيدافعون عن القضية الفلسطينية حتى آخر قطرة دم!! دم للأسف كان بريئا لست تعرف بالضبط بأي ذنب سال.
·و خارج فلسطين كان هناك في المناخ العربي المحيط الذي كان يجب أن يكون من أهم أولوياته الدفاع عن أولئك الفلسطين العزل الذين يقتلون على مرءا من العالم, الا انه كعادتنا في مثل هكذا خطوب ادرنا ظهرنا لما هو مهم و قسمنا الوحدة لفريقين كلاهما عميل لأطراف أجنبية! و بدل القمة أقام العرب قمتين و من حضر هذه القمة لا يحضر القمة الأخرى!
·الاعلام كان له اليد العليا في هذه الحرب الجانبية. الجزيرة رغم تغطيتها شبه الممتازة وقعت في بعض الأخطاء الغريبة مثل أن تجد أحد مراسليها في قلب الأحداث يستحث فلسطيني مكلوم حول أطفاله المصابيين للحديث حول المعبر المغلق عن طريق المصريين, مما يدعو لبعض الشك في الرساله النهائية للجزيرة لتلك المتابعة للأحداث.
·في الطرف الآخر, تجدنا هنا في مصر أم الدنيا نواجه الصلف الاسرائيلي بالخطبة الخالدة للزعيم الخالد عن طريق برومو يأتي ببعض المقتطفات من حديث الرئيس عن انه يحمل الاسرائيلين حماية الشعب الفلسطيني من واقع ان الاسرائيلين قوة محتلة "حسب القانون الدولي". اااه لو يعرف المسؤليين في التليفزيون المصري عن رد فعل الجمهور العادي البسيط الذي يشاهد مثل هذه الكلمة بعد كل مشهد ملوث باللون الأحمر.
·مشهد آخر من اعلامنا القبيح لا أستطيع ان افوته هنا و هو الأخوين الحلويين في في روز اليوسف, تلك الجريدة التي خرجت عظماء العمل الصحفي في هذا البلد و التي دار عليها الزمن لتقع في براثن ناس من قبيل كرم و كمال! أحدهما عمل تحقيق صحفي و أسماه العصابة و اتى في بداية "التحقيق" بصور كل من بشار الأسد, حسن نصرالله و أحمدي نجاد!!! و الأخر علق على عدم إستخدام مصر كارت سحب السفير من تل أبيب كشيء من الضغط على اسرائيل بأنه يجب أن تظل هناك شيء من قنوات الحوار مع تل أبيب لحل هذه الأزمة و انهم بالتأكيد يستمعون لنا!! "بالفعل عندما أمرهم رئيسنا توقفوا فورا".هذا ابسط مثال للاعلام الموجه.
·من الأمور المثيرة للسخرية في هذا الموقف الدامي ان صحفنا القومية لم تكتف ابدا بتضخيم جهود قائدنا العظيم في الأزمة و الذي كان في إجراء بعض المكالمات التليفونية الدولية. "أكيد الفاتورة هتبقى كبيرة شوية". أيضا فكرة ان نبحث حول تعميير غزة قبل انهاء المشكاة الحقيقة لغزة يعتبر شيء من الدراما السوداء المبكية فما فائدة أن تبني بنى تحتية و مدارس و مستشفيات و منازل مادام بامكان دبابة أو طائرة إسرائيلية بأوامر مباشرة من ضابط صغير الرتبة أن تدمر كل هذا في طرفة عين!! و كأن رسالتنا لإسرائيل هي "دمري يا إسرائيل و أحنا نصلح".
·من الصور التي تجعلك تشمئز من الاعلام بشك عام هو تلك التغطية التي قام بها الاعلام الغربي و هي عن اقتناعهم بان الاسرائيلين يطاردون الكوادر الارهابية من حركة حماس و تقوم بقتلهم و مثل ان يقول أحدهم انه يتفهم أن يسقط صاروخ "فلسطيني" يهدد حياته و حياه أولاده و انه يتفهم حق اسرائيل الكامل في الدفاع عن نفسها و عن سلامتها!!
·أخيرا و انا اكتب هذه السطور فاني اعلن اني نسيت روح الجهاد و الدفاع عن الوطن التي انتابتني اثناء هذه الأحداث الوحشية و رجعت الى حياتي اليومية الاستهلاكية الخانقة و كأن شيء لم يكن.
يبدو أن فلسطين دائما تمثل لنا جرح لا يندمل ذلك انه حتى لو توقف العمليات العسكرية المميتة ضد هذا الشعب الوحيد الأعزل فانه لا يزال محاصر مهدمة روحه و منازله يعيش في سجن مفتوح دونما اي امل يلوح في الأفق.
يا رب نشكو اليك ضعف قوتنا و هواننا على الناس. يا رب رحمتك.